رواية نور الروح … الفصل السادس
بعنوان المعركة الثانية
محمود متصفحا دفتر خواطره لتقع عينه علي كلمات حديثه الداخلي المكتوب
كانت الحياة بيني وبين نور تسير في وتيرة هادئة في أول شهرين بعد خطبتنا وبعد حل أول خلاف بينا ومحاوله نور الدائمه للتأٌقلم مع الحياة في مصر بكل ما تختلف عنه في المجتمع الغربي الذي تعودت عليه كنت دائما ما أراها تتنظر رد فعلي علي كل تصرف وكأنها طفلة صغيرة تتعلم الحياة علي يد والدها ولكني نسيت أن الطفلة الصغيرة كثيراً ما تتصرف بطبيعتها الفطرية التي عاشت وتربت عليها .
كان يوم إجتماع عائلي عند وصول خالة نور وأبنائها إلي مصر فكل عائلة نور قد إنتقلت لكي تعيش في إنجلترا منذ خمس وعشرون عاماً بالتوالي إبتداء من خالتها ثم والدتها وأبيها وعمها وأخيرا الأجداد ولم يتبقي أحدا يعيش في مصر منذ ذلك الحين .
كان هذا اليوم هو أول لقاء بيني وبين خالتها وأبنائها وبعد أن قامت نور بتعرفي علي عائلتها كانت صدمتي في تلك اللحظة أن هناك قبلات واحضان بين نور وإبن خالتها علي سبيل أنها شبه أخوه قد تربوا معا منذ طفولتهم لم استطيع تمالك نفسي فجذبت نور في غضب شديد .
محدثاً إياه بصوت غاضب… نورإيه الي إنتي بتعملي دا إنتي بتستهبلي !!!
نور بدهشة ونظرة قلق تعتري عيونها في إيه يا محمود مالك أنا عملت إيه ؟
لأكمل حديثي بوس وأحضان في ايه إنتي فاكرة نفسك فين إنتي في مصر مش في بلاد برة بتعملي كدا وفي راجل معاكي أمال لو مش معاكي راجل كنتي هتعملي إيه !!!
نور وبدأت عيونها في تخبئه دموعها
دول إخواتي يا محمود متربين معايا من وأنا طفلة أنا مش هعمل كدا مع حد غريب وبعدين بتقولي أنا مش في بلاد بره أنا فاكرة كويس أنك قولتلي أنك هتقدر تتفهم كل حاجة بعملها ودا واضح فعلا شكرًا إنك بهدلتني أدام أهلي .
ظل الصمت سيد الموقف للحظات وإستردت محدثا نور مرة أخري :
أنا ماشي يا نور لما تروحي إبقي طمنني عليكي
نور بنرة مستنكرة تحمل الغضب والألم … هو الحل إنك تمشي يا محمود إحنا عندنا مشكلة لازم نواجهها دي مش طريقة .
وبعد نظرة طويلة مني لم أجد ما اقوله لأني كنت اعلم جيداً أن أي كلام سيخرج من علي لساني لن يزيد الموقف الا إشتعالا بيني وبين نور .
مقاطعا َ حديثها سلام يا نور
لم أكن أعلم هل توديعي لنور في هذه المعركة منعاً لبدء معركتي الدخلية ام هروباً من مواجهة نور كما قالت….
إتجهت في هذا اليوم إلي منزلي وأنا لا أري شيئاً وعقلي متوقف عن التفكير من حدة الغضب .
يغلق محمود دفتر مذاكرته ليعود بعقله متذكرا ما حدث هذا اليوم.
دلفت الي غرفتي ولم اقوي من التعب الفكري علي تحمل إضائتها فإحتفظت بظلامها وفي وسط زحام أفكاري وعراكي الداخلي إنتبهت لسارة تدق علي الباب برقتها المعهودة وشقاوتها دائما ما كنت أشعر أن سارة إختي وصديقتي وإمي في أن واحد فمنذ طفولتها وكنا علي عكس ما هو متدوال عن الاشقاء في خلافتهم أنا وسارة دائما ما بينا حالة تناغم وتفاهم نادرة .
سارة بنبرة هادئة تحمل الحنان : ممكن أدخل يا محمود .
محمود متنهداً :اتفضلي يا سارة تعالي يا حبيتي
سارة مربتة علي ظهره .. مالك يا قلب أختك دخلت الأوضة وشكلك مهموم ومضايق حصل حاجة ؟
بصوت مكتوم لا ولا حاجة
ساره وتحمل بين طيات عيونها قلق علي ما شعرت به داخل نبراته إنت مش كنت خارج النهاردة مع نور وأهلها في حاجة حصلت شدتوا مع بعض ؟
ولازالت نبراته تحمل نفس الصوت المكتوم : سارة أنا عاوز أقعد لوحدي ممكن ؟
سارة جالسة بجوار أخيها تضمه بين أحضانها
مالك يا حبيبي أحكلي يمكن أقدر أساعدك نور جميلة وبتحبك أي خلاف ممكن طبيعي يحصل إنتوا لسه ببتعرفوا علي بعض .
محمود وقد بدأت روحه في إسترجاع هدوءها : عندك حق أنا هحكيلك وقوللي أ نا صح ولا غلط .
ساره بنرة حنون … إحكي يا حبيبي أنا سمعاك ومتخفش أي حاجة هتحكيها هتفضل ما بنا إنت عارف أنا طول عمري كاتمة أسرارك..
ظلت ساره مستمعة إلي حديثي وشجاري مع نور إلي النهاية بنظراتها الحانية المتفهمة
بعد إنتهائي من كل ما حدث علي مدار اليوم وشرحي لها لعراكي الداخلي ما بين حبي لنور وعدم مقدرتي علي تحمل أسلوبها في الحياة ونظرتها للأمور مع تقديري لمحاولتها من تغيير نظرتها للأمور لإرضائي .
سارة بنبرة صوت هادئة تحمل حكمتها….. بص يا محمود إنت غلطت في حاجات ونور غلطت في حاجات …
مستنكرا …. أنا غلطت في إيه .
سارة مربتة علي ظهري بلمسة ام حانية … إنت غلطت في إنك مش قادر لحد دلوقتي تستوعب نور .
نور بتتعامل بطبيعتها يا محمود نور عايشة طول عمرها برة مصر .
ثقافة وأسلوب حياة مختلف عننا وإنت راجل شرقي يا حبييي عارفه ودمك حامي .
بس لازم تفهم أن نور مش بتتصرف كدا تقليل من إحترامها ليك نور بتحبك وبتحترمك بس في نفس الوقت هي شخصية مستقلة وإتربت علي كدا مينفعش إنت في يوم وليلة تقولها إتغيري وهي عرضت عليك إنها تقعد وتتناقشوا في الفروق الي ما بنكوا وتحاول تحلوها إنت الي رفضت.
محمود متنهداً بنرة قلقة … خوفت أحس يا ساره إني صغير أدمها وتحس إني مش فاهمها خوفت تضيع مني لما تقرب فاهمني.
فهماك يا حببيي بس دا مش صح يا محمود لازم تقرب علشان تشوف الصورة واضحة أنا عارفة أد إيه إنت بتحب نور من زمان بس علشان الحب دا يكمل لازم تفهمها وتستوعبها بكل الأختلافات الي ما بنكوا .
متناولا هاتفه الخلوي عندك حق يا سارة ويبدأ في الإتصال برقم نور .
هتصل بيها حالاً أصالحها وأتفاهم معاها أنا برضه كنت غبي في ردة فعلي
ساره بنرة فرحة .. ماشي يا حبيبي ربنا يخليكوا لبعض .
محمود بنبرة قلقة متلهفة : بتصل بنور موبيلها مش بيرد وبعدين إتقفل
ساره تحاول أن تطمئنه : أكيد زعلانة يا محمود أنا شايفة إنك تروح تصالحها
محمود… الوقت أتأخر دلوقتي وفي نفس الوقت مش عاوزها تبات زعلانة مني .
ساره وقد لمعت عيونها بضحكتها التي تأخذ القلب … طيب أنا عندي فكره إيه رأيك أنزل معاك وتروح تجيبلها ورد وتصالحها مهما كانت زعلانة منك أنا واثقه لو عملت كدا هتصالحك .
محمود وقد لمعت الفكرة في قلبه .. فكره تحفة طيب يلا بقي إجهزي وتعالي معايا .
نور ….. نوفمبر 2017
نور تقف إمام دولاب ملابسها لتنقي ثوباً للنزول في الصباح الباكر فهي لم تنم تقريبا في تلك الليلة وبينما تفتش في دولابها في الطابق العلوي منه وقع علي الارض صندوقاً كانت قد خبئته منذ يوم فراقها لمحمود ولم تفتحه منذ ذلك الوقت ينتقل معها أينما ذهبت من بلد الي بلد ولكنها لم يكن لديها الشجاعة علي مواجهه ما به من ذكريات حبها القديم .
نظرت نور إلي الصندوق في دهشة وشعرت كأنه وقع أمام عيونها في هذا التوقيت تحديداً بعد لقائها صدفه بالأمس بمحمود ظلت شادرة تنظر الي الصندوق وخيل لها وكأن الصندوق يستنجد بها أن تفتحه لتحرر ما به من ذكريات للنور .
أمسكت نور الصندوق وتنهدت طويلا وكأنها تستعد لعراك داخلي كانت تعلم أنه أقوي منها بكثير في تلك اللحظة وبعد الكثير من النظر والشرود في الصندوق
محدثة نفسها … إلي متي سأظل أهرب من مواجهة الذكريات إلي متي سأظل أهرب من مواجهة نفسي أنا لازالت إلي هذه للحظة أحبه لم أتوقف عن حبه يوماً لقد كنت أعلم أنه بعد سفري سيظل ييحث عني ولكن كرامتي وعنادي منذ ثماني سنوات كان حاجزاً بيني وبينه دائماً ما كان يمنعاني من الرد عليه يوما ؟؟؟؟؟
دائما ما سأظل أٍسأل نفسي ماذا لو لم أسافر في تلك الليلة التي ودعني فيها معلناً قراره بالإنفصال ؟؟؟ ماذا لو كنت إنتظرت للصباح في هذا اليوم ؟؟؟ هل كان تغير كل شئ ؟؟؟ هل كان قراري في هذه اللحظه بالهجرة نهائياً قرار قد اتخذته في بضع دقائق من جمره الوجع لو كان هذا القرار تأخر ليوم واحد هل كان سيحدث كل هذا ؟؟؟؟
عندما رأيته بالأمس كل ما تمنيته أن أرتمي في أحضانه وأصرخ ألما ألما مكتوم منذ ثماني سنوات …. قطع شرودها دموعها الساخنة علي وجنتيها وكأن دموعها شعرت بقوة بركانها الداخلي فتحررت من عيونها لتفيقها وتعيدها الي الواقع .
مدت نور يديها الي الصندوق وقامت بفتحه وهالها كمية الاتربة المخزنة منذ سنوات عليه وكانها تحاول دفن حي رغما عنه وهو متمسك بالحياة …
مدت نور يديها الي خواطر كانت قد كتبتها في يوم شجارها مع محمود تعود الي يوليو 2008
تبتسم نور في وسط دموعها وهي تتذكر احداث المشاجرة يوم إجتماعها مع خالتها وأبنائها وغيرة محمود , تمسك كارت حب قد أعطاه لها محمود يوم أن أتي إلي منزلها في تلك الليلة في الثانية عشر مساءاً لأنه لم يكن يريد أن يطول سوء التفاهم بينهم تنظر إلي الكارت وتقرأ كلماته
بحبك يا نور حقك عليا معرفتش أنام وإنتي زعلانة مني دموعك غالية عليا عارف أن وعدتك وأنا هكون عند وعدي يا نور الروح .
تغمض عيونها متذكرة هذا اليوم في حدود الساعه 12 مساءا كان باب منزلها يدق وكان من يدق في ذلك الوقت محمود وسارة.
في تلك اللحظة كانت نور في غرفتها تحاول النوم ولا تستطيع من دموعها فلقد كان رد محمود صادم بالنسبة لها لقد وعدها أن يستوعب الفرق ما بين نظره كل منهما إلي الحياة بهدوء ولكنه لم يفعل هذا ونهرها بشده أمام أقاربها .
يقطع بكاءها صوت الجرس ووالدها يرحب بمحمود وسارة وفي نفس الوقت تدخل والدتها الي غرفتها
فريده بنره هادئة اعتقادا منها أن إبنتها نائمة : نور إنتي نمتي ؟
نور بنبرة تحمل الحزن والدموع المكتومة : لا يا ماما أنا صاحية… هو محمود جاي مع ساره أخته علشان ينهي كل حاجة صح ؟
فريده محتضة إبنتها لتنقل لها حنان الاطمئنان : ينهي إيه يا نور إزاي تفكيرك يروح لحاجة زي دي محمود جاي وجايب بوكية ورد الي بتحبيه وجاي يصالحك وطالب دقايق يشوفك
نور مبتسمة في وسط دموعها وكأنها طفلة أخبروها للتو بنجاحها في امتحانها بإمتياز … بجد يا ماما
تقوم نور وترتدي ثوباً كانت تعلم أن محمود يحبه وتضع القليل من المكياج الهادئ وتصفف شعرها ببساطة وتخر
لتقابل محمود وسارة ……..
وجد قلبي شعاع الروح … فانفتح قلبي وانشق
ووجد قلبي أطلس جديدا فصرت عدوا لهذا الخرق
شمس الدين التبريزي
#الكاتبة_نور_البشرى